فصل: قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالْمُتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْأَوْلِيَاءِ عَامًا يَشْمَلُ كُلَّ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ، وَالْمَقَامُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ بَلِ السُّورَةُ كُلُّهَا يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حُكْمًا مَدَنِيًّا مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ فَقَطْ، فَهِيَ فِي الْحَرْبِ وَعَلَاقَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَعَلَاقَتِهِمْ بِالْكُفَّارِ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ التَّوَارُثِ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِسْلَامِ أَمْ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ صَفْوَةِ مَا وَرَدَ وَمَا قِيلَ فِي الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِيُعْلَمَ بِالتَّفْصِيلِ بُطْلَانُ مَا قِيلَ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْإِرْثِ بِهَا.
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَدْ حَالَفَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي، قَالَهُ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُؤَاخَاتَةُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَأَسْنَدَهُ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ وَكَذَلِكَ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَأَسْنَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مُؤَاخَاتَهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَبِي طَلْحَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَتِ الْمُؤَاخَاةُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَمَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ، كَانُوا تِسْعِينَ نَفْسًا بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ: وَكَانُوا مِائَةً: فَلَمَّا نَزَلَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [8: 75] بَطَلَتِ الْمَوَارِيثُ بَيْنَهُمْ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ. اهـ.
وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِآية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [آيَةُ: 6] مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، ثُمَّ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَى بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ فَظَنُّوا أَنَّهَا [آيَةُ 75] مِنَ الْأَنْفَالِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشْكِلٌ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا آيَةُ الْأَنْفَالِ أَظْهَرُ إِشْكَالًا، بَلْ لَا يَبْقَى مَعَهَا لِذَلِكَ التَّوَارُثِ فَائِدَةٌ وَلَا لِنَسْخِهِ حِكْمَةٌ لِقُرْبِ الزَّمَنِ بَيْنَ هَذَا الْإِرْثِ وَبَيْنَ نَسْخِهِ، فَإِنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ عَقِبَ غَزْوَةِ بَدْرٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ تَكُنِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ الْإِرْثِ قَدْ تَغَيَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلاسيما عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُؤَاخَاةَ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الْحَالُ قَدْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ عَقِبَ وَقْعَتِهَا وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ حِكْمَةُ النَّسْخِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ بِإِبَاحَةِ الْهِجْرَةِ بِهَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِيُذْهِبَ عَنْهُمْ وَحْشَةَ الْغُرْبَةِ، وَيَتَأَنَّسُوا مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيَشُدَّ بَعْضُهُمْ أَزْرَ بَعْضٍ، فَلَمَّا عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَاجْتَمَعَ الشَّمْلُ وَذَهَبَتِ الْوَحْشَةُ أُبْطِلَتِ الْمَوَارِيثُ وَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ إِخْوَةً، وَأَنْزَلَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [49: 10] يَعْنِي فِي التَّوَادُدِ وَشُمُولِ الدَّعْوَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَائِهَا فَقِيلَ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ، وَقِيلَ: قَبْلَ بِنَائِهِ، وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ بَدْرٍ. اهـ.
أَقُولُ: فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ التَّوَارُثُ بِالْمُؤَاخَاةِ حَصَلَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَنُسِخَ بَعْدَهَا فِي سَنَتِهَا؟ وَهَلْ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّهَيْلِيُّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ كَلَّا إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ عَزَّ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَكِنَّ الشَّمْلَ لَمْ يَجْتَمِعْ، وَالْوَحْشَةَ لَمْ تَذْهَبْ، وَالسَّعَةَ فِي الرِّزْقِ لَمْ تَحْصُلْ، وَكَانَ لَا يَزَالُ أَكْثَرُ أُولِي الْقُرْبَى مُشْرِكِينَ.
(ثُمَّ قَالَ): وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُؤَاخَاةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ: «تَآخَوْا أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ» فَكَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ أَخَوَيْنِ، وَحَمْزَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَخَوَيْنِ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَخَوَيْنِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ جَعْفَرًا كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْحَبَشَةِ إِلَخْ.
(أَقْوَالٌ): وَقَدْ تَكَلَّفُوا الْجَوَابَ عَنْ هَذَا وَلَكِنْ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَةِ تَعَقُّبَاتٌ أُخْرَى مِثْلُهَا، وَابْنُ إِسْحَاقَ غَيْرُ ثِقَةٍ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَنْ وَثَّقَهُ لَمْ يُنْكِرْ أَنَّهُ كَانَ مُدَلِّسًا، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ سَنَدًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ هُنَا، إِذْ لَوْ ذَكَرَ سَنَدًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَحْدَهُمْ، فَإِنَّ عَلِيًّا وَحَمْزَةَ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَتْ بِمَكَّةَ.
(ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ) مُحَاوِلًا حَلَّ إِشْكَالِ بَعْضِ التَّعَقُّبَاتِ: وَكَانَ ابْتِدَاءُ الْمُؤَاخَاةِ أَوَائِلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَمَرَّ يُجَدِّدُهَا بِحَسَبِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَحْضُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْإِخَاءُ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَابِ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، وَآخَى بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَسَمَّى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَمَاعَةً آخَرِينَ.
وَأَنْكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَخُصُوصًا مُؤَاخَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُؤَاخَاةَ شُرِعَتْ لِإِرْفَاقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِيَتَآلَفَ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا مَعْنَى لِمُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا لِمُؤَاخَاةِ مُهَاجِرِيٍّ لِمُهَاجِرِيٍّ.
وَهَذَا رَدٌّ لِلنَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَغَفْلَةٌ عَنْ حِكْمَةِ الْمُؤَاخَاةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْقُوَى، فَآخَى بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى، لِيَرْتَفِقَ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى، وَيَسْتَعِينَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى. وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُؤَاخَاتُهُ صلى الله عليه وسلم لَعَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُومُ بِهِ مِنْ عَهْدِ الصِّبَا مِنْ قَبْلِ الْبَعْثَةِ وَاسْتَمَرَّ. وَكَذَا مُؤَاخَاةُ حَمْزَةَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ؛ لِأَنَّ زَيْدًا مَوْلَاهُمْ فَقَدْ ثَبَّتَ أُخُوَّتَهُمَا وَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. إِلَخْ. وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُؤَيِّدُ تَعْلِيلَهُ، فَإِنَّهُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ قَبِيلِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
وَاحْتَجَّ الْحَافِظُ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ بِالْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوِيَّةٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِنْدَ الضِّيَاءِ فِي الْمُخْتَارَةِ الَّتِي يُصَرِّحُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَهَا أَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ الْمُسْتَدْرَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِصَّةُ الْمُؤَاخَاةِ الْأُولَى أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ- وَذَكَرَ جَمَاعَةً- قَالَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ فَمَنْ أَخِي؟ قَالَ: «أَنَا أَخُوكَ» (قَالَ الْحَافِظُ): وَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إِلَى مَا تَقَدَّمَ تَقَوَّى بِهِ. اهـ.
وأقول: إِنَّمَا احْتَاجَ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَى التَّقْوِيَةِ بِمَا رُوِيَ مِنَ الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ بَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ جُمَيْعَ بْنَ عُمَيْرٍ التَّيْمِيَّ مَجْرُوحٌ، أَهْوَنُ مَا طَعَنُوهُ بِهِ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: فِي أَحَادِيثِهِ نَظَرٌ، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. وَأَشَدُّهَا قَوْلُ ابْنِ نُمَيْرٍ: كَانَ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ، وَقَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: كَانَ رَافِضِيًّا يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَافِظَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى رِوَايَةٍ تُؤَيِّدُهُ فِي مَوْضُوعِهِ وَلَوْ إِجْمَالًا، وَمِنْهُ إِسْنَادُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ شَيْخُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ بِأَنَّ رِوَايَاتِ مُؤَاخَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه ضَعِيفَةٌ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ بَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ، فَهُوَ إِذًا يُنْكِرُ مَا قِيلَ مِنْ تِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ الْعَامَّةِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِنَا هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِطْرَادًا لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي إِيضَاحِ هَذَا الْبَحْثِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنَ الْإِرْثِ فِي تَفْسِيرِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [8: 75].
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْنَافِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ الْمُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ تَحْتَ سُلْطَانِ الْمُشْرِكِينَ وَحُكْمِهِمْ وَهِيَ دَارُ الْحَرْبِ وَالشِّرْكِ بِخِلَافِ مَنْ يَأْسِرُهُ الْكُفَّارُ مَنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَيَجِبُ عَلَى الِمُسْلِمِينَ السَّعْيُ فِي فِكَاكِهِمْ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ حَوْلٍ وَقُوَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَجِبُ مِثْلُ هَذِهِ الْحِمَايَةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَيْضًا، وَكَانَ حُكْمُ غَيْرِ الْمُهَاجِرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ وِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى نَصْرِ أُولَئِكَ لَهُمْ، وَلَا إِلَى تَنْفِيذِ هَؤُلَاءِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ، وَالْوِلَايَةُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ عَلَى سَبِيلِ التَّبَادُلِ.
وَلَكِنَّ اللهَ خَصَّ مِنْ عُمُومِ الْوِلَايَةِ الْمَنْفِيَّةِ الشَّامِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحْكَامِ شَيْئًا وَاحِدًا فَقَالَ: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فَأَثْبَتَ لَهُمْ مِنْ وِلَايَةِ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حَقَّ نَصْرِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ إِذَا قَاتَلُوهُمْ أَوِ اضْطَهَدُوهُمْ لِأَجْلِ دِينِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ لَا يَنْصُرُونَ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لِعَجْزِهِمْ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ حَالَةً وَاحِدَةً فَقَالَ: إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ يَعْنِي إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْصُرُوهُمْ إِذَا اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ عَلَى الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ دُونَ الْمُعَاهِدِينَ، فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِعَهْدِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُبِيحُ الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ بِنَقْضِ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [8: 58].
وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَرْكَانِ سِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ الْخَارِجِيَّةِ الْعَادِلَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ الْعَهْدَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ لَا يَنْتَقِضُ بِتَعَدِّيهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْخَارِجِينَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُسَمَّى رَئِيسُهَا خَلِيفَةَ الْإِسْلَامِ، وَالْإِمَامَ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامَ الْحَقِّ (وَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَحُدُودَهُ وَيَحْمِي دَعْوَتَهُ) وَإِنْ أَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ غَيْرُ الْخَاضِعِينَ لِلْإِمَامِ الْحَقِّ حُكُومَةً أَوْ حُكُومَاتٍ لَهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ بِتَعَدِّيهِمْ عَلَى حُكُومَةِ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدِ الْبِلَادِ الدَّاخِلَةِ فِي حُدُودِ حُكْمِهِ، وَلَكِنْ إِذَا تَضَمَّنَ الْعَهْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ دُوَلِ الْكُفَّارِ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الْخَاضِعِينَ لِأَحْكَامِهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِقِتَالِهِمُ الْمُخَالِفِ لِنَصِّ الْعَهْدِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ نَصْرُ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ دِينِهِمْ، وَكَذَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُمْ إِنْ تَضَمَّنَ الْعَهْدُ ذَلِكَ، كَمَا يَجِبُ نَصْرُهُمْ عَلَى مَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَ حُكُومَةِ الْإِمَامِ وَحُكُومَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَامِي الْإِيمَانِ وَنَاشِرُ دَعْوَتِهِ. وَقَدْ أَخَذَ أَعْظَمُ دُوَلِ الْإِفْرِنْجِ هَذَا الْحُكْمَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَلْقَابِ مَلِكِ الْإِنْكِلِيزِ الرَّسْمِيَّةِ حَامِي الْإِيمَانِ وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَرَكُوهُ ثُمَّ طَفِقُوا يَتْرُكُونَ أَصْلَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.
{وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ فِيهِ لِئَلَّا تَقَعُوا فِي عِقَابِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ، وَأَنْ تُرَاقِبُوهُ وَتَتَذَكَّرُوا اطِّلَاعَهُ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَتَتَوَخَّوْا فِيهَا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ وَالْمَصْلَحَةَ وَتَتَّقُوا الْهَوَى الصَّادَّ عَنْ ذَلِكَ. وَبِمِثْلِ هَذَا الْإِنْذَارِ الْإِلَهِيِّ تَمْتَازُ الْأَحْكَامُ السِّيَاسِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْقَانُونِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ بِمَا يَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ أَصْدَقَ فِي إِقَامَةِ شَرِيعَتِهِمْ، وَأَجْدَرَ بِالْوَفَاءِ بِعُهُودِهِمْ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْخِيَانَةِ فِيهَا سِرًّا وَجَهْرًا، وَفِي هَذَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِخُصُومِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فَكَيْفَ بِأَهْلِ ذِمَّتِهِمْ؟ وَإِنَّنَا نَرَى أَعْظَمَ دُوَلِ الْمَدَنِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ تَنْقُضُ عُهُودَهَا جَهْرًا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلاسيما عُهُودَهَا لِلضُّعَفَاءِ، وَتَتَّخِذُهَا دَخَلًا وَخِدَاعًا مَعَ الْأَقْوِيَاءِ، وَتَنْقُضُهَا بِالتَّأْوِيلِ لَهَا إِذَا رَأَتْ أَنَّ هَذَا فِي مَنْفَعَتِهَا. وَقَدْ قَالَ أَعْظَمُ رِجَالِ سِيَاسَتِهِمُ الْبِرِنْسُ بِسْمَارْك مُعَبِّرًا عَنْ حَالِهِمْ: الْمُعَاهَدَاتُ حُجَّةُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ.
(وَقَالَ) فِي الدَّوْلَةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ: إِنَّهَا أَبْرَعُ الدُّوَلِ فِي التَّفَصِّي فِي الْمُعَاهَدَاتِ بِالتَّأْوِيلِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أَيْ: فِي النُّصْرَةِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ فِي جُمْلَتِهِمْ فَرِيقٌ وَاحِدٌ تُجَاهَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا مِلَلًا كَثِيرَةً يُعَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، بَلِ السُّورَةُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِجَازِ مِنْهُمْ إِلَّا الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، وَكَانَ الْيَهُودُ يَتَوَلَّوْنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَنْصُرُونَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ مِنْ عَقْدِهِ صلى الله عليه وسلم الْعُهُودَ مَعَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ نَقْضِهِمْ لَهَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ بَوَادِرُ عَدَاوَةِ نَصَارَى الرُّومِ لَهُ فِي الشَّامِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ وَهِيَ الْمُتِمَّةُ لِمَا هُنَا مِنْ أَحْكَامِ الْقِتَالِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقِيلَ: إِنِ الْوِلَايَةَ هُنَا وِلَايَةُ الْإِرْثِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا قَبْلَهَا، وَجَعَلُوهُ الْأَصْلَ فِي عَدَمِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبِإِرْثِ مِلَلِ الْكُفْرِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا عَلَى نَفْيِ الْمُؤَازَرَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيجَابِ الْمُبَاعَدَةِ وَالْمُصَارَمَةِ وَإِنْ كَانُوا أَقَارِبَ، وَتَرَاهُمْ يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي هَذَا الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مَفْهُومُ الْآيَةِ أَوْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ بِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ عَامَّةٌ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ كَتَحْرِيمِ الْخِيَانَةِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرَ هُنَا الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ وَمَا وَرَدَ فِيهَا.
رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهَا، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيَّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَآخِرُ مَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى، وَثَالِثٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَسَنَدُ أَبِي دَاوُدَ فِيهِ إِلَى عَمْرٍو صَحِيحٌ. اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ فِي كُلِّ رِوَايَةٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ لِهَذَا اللَّفْظِ عِلَّةٌ وَلَكِنْ يُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهُشَيْمٌ مُدَلِّسٍ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ سَعْدٍ: إِذَا قَالَ: أَخْبَرَنَا فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِلَّا فَلَا. وَهَاهُنَا قَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ عَنْهُ صَحِيفَةً فُقِدَتْ مِنْهُ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِمَا فِيهَا مِنْ حِفْظِهِ، وَنَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أُسَامَةَ فَذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ كَمَا رَوَاهُ بِهِ الْحَاكِمُ عَنْ أُسَامَةَ، وَخَالَفَ فِيهِ نَصَّ الصَّحِيحَيْنِ وَسَائِرِ الْجَمَاعَةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَقَفَّى عَلَيْهِ بِذِكْرِ لَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ، إِشَارَةً إِلَى مَا فِيهِ مِنْ عِلَّةِ مُخَالَفَةِ الثِّقَاتِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الثِّقَةِ لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ النَّافِيَةِ لِلصِّحَّةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ آيَةَ الْأَنْفَالِ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (73)} كَمَا رَوَى الْحَاكِمُ. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالْأَكْثَرُونَ يَحْتَجُّونَ بِهِ.